الدروس الخصوصية في بلادنا هي كبسولة أو جرعة مكثفة، يسكبها مدرس ماهر في رؤوس الطلاب قبيل الاختبارات؛ فيحفظونها عن ظهر قلب، وبمجرد تلقفهم ورقة الاختبار يبدؤون في (الحكي) ويسابق القلم العقل على ورقة الإجابة، وربما أتت إجابات نموذجية ومرتبة تماما كما هي مرسومة في الكتاب المدرسي!
لكن بعد الفراغ من الاختبار يحاول التلميذ أن يستعيد شيئا مما حفظه ـ عنوة وأجبر العقل على استظهاره ـ للاستفادة منه في سلوكياته اليومية، أو بناء خبرة تراكمية في شأن من شؤون الحياة؛ فلا يجد ما يسعفه! ويجد كل ما حفظه وقد تبخر! وصار سرابا، وصار كل ما في ذهنه شبح معلومة يطارده ولا يكاد يمسكه!
أما إخواننا الأسيويون خصوصا في سنغافورة، فإنهم لا يجلبون لأبنائهم مدرسين خصوصيين يحشون رؤوسهم ويلقنونهم فقط، وإنما يبحثون عمن يعلم أولادهم الذوق وحسن التصرف إلى جانب التعليم العادي؛ فيخرج الأطفال بحصيلة معرفية وسلوكية جيدة إزاء مواقف الحياة اليومية؛ تؤهلهم لإتيان سلوكيات صحيحة تناسب فطرة المسلم والذوق العام!
وفي سنغافورة إقبال كبير من الأهالي وأولياء الأمور على هذه الدروس التي يدركون قيمتها، بل تم افتتاح مدارس وأكاديميات تعلم الأطفال الإيجابية، وهو ما ينعكس بشكل واضح على سلوكيات الأطفال حين يصبحون مسؤولين أو موظفين يتعاملون مع الناس، فيسهلون أمورهم ولا يعقدونها، كما هو حاصل في الكثير من البلاد العربية!
لقد صار لدينا انطباع ذهني سيئ عن كل موظف يتولى أمرا من أمور الناس، ونسينا أن هذا الموظف هو ناتج سياسة تعليمة اعتمدت الحشو والاستظهار، ولم تعتمد التراكم المعرفي وتأصيل الخبرة وتوريثها بشكل سليم.
إن فكرة تعليم الذوق وحسن التصرف ليست جديدة تماما، فهو من كلاسيكيات التعليم عند اليونانيين وعند العرب، وفي التراث العربي ما يعرف بوظيفة "المؤدب" والمؤدب هذا هو عن رجل يعلم السلوك والذوق والتاريخ والأخبار إضافة إلى العلوم العصرية.
ما الذي يمنعنا من تجريب تربية أبناءنا على أيدي مؤدبين أو (مدرسيين خصوصيين للذوق) وما الذي سنخسره في ظل النفقات الكثيرة التي نلقيها للمدرسين الخصوصيين، ونشاط الفصل وغيره من المصاريف المباشرة وغيرة المباشرة.. فهل نجرب؟!
مصدر المقال: موقع لها أونلاين